أُلقيت في الساعة 12:40 من يوم 15 حزيران/يونيه 2023، بنيويورك
عمتم مساءً.
التقيت للتوّ بمجموعة من قادة المجتمع المدني المعنيّين بقضية المناخ من مختلف أنحاء العالم.
وبعد بضعة أشهر سنعقد قمتي أهداف التنمية المستدامة والطموح المناخي، ثم بعد ذلك بفترة وجيزة سنعقد الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP 28).
ويساورني قلق شديد بشأن حالة العالم على صعيد المناخ.
فالبلدان بعيدة تماما عن المسار الصحيح للوفاء بالوعود والالتزامات المناخية.
وإنني أرى حالة من انعدام الطموح. وانعدام الثقة. وانعدام الدعم. وانعدام التعاون. وأرى كثيراً من المشاكل على صعيد وضوح الرؤية والمصداقية.
ويجري تقويض جدول أعمال المناخ.
وفي وقت ينبغي أن نسرّع فيه العمل، هناك تباطؤ.
وفي الوقت الذي ينبغي أن نسد فيه الفجوات، تزداد الفجوات اتّساعاً.
وفي الوقت نفسه، يُداس بالأقدام على حقوق الإنسان التي ينبغي أن تكون مكفولة للناشطين المناخيين.
وأشد الفئات ضعفا هي أكثر الفئات معاناة.
والسياسات المتّبعة حالياً تسير بالعالم صوب ارتفاع في درجة الحرارة بمقدار 2,8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
وهذا ينذر بكارثة محقّقة.
ومع ذلك، ما زال مستوى الاستجابة الجماعية ضعيفا إلى درجة يرثى لها.
إننا نندفع مسرعين صوب الكارثة بأعين مفتوحة - مع استعداد الكثيرين للمراهنة بكل شيء على الأماني والتكنولوجيات غير المثبتة والحلول السحرية.
لقد حان الوقت للاستيقاظ والارتقاء إلى مستوى الخطب الجلل.
لقد حان الوقت لتسريع عملية الانتقال العادل إلى اقتصاد أخضر.
فما زال تحديد الاحترار العالمي عند مستوى لا يتجاوز 1,5 درجة مئوية أمرا ممكنا.
ولكنه سيتطلب خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030.
ولمساعدتنا في الوصول إلى هذا الهدف، اقترحتُ ميثاق التضامن المناخي، حيث يبذل كل الدول الأكثر تسبّبا في الانبعاثات جهودا إضافية لخفض الانبعاثات؛ وتدعم البلدان الأغنى الاقتصادات الناشئة للقيام بذلك.
وقد طرحت خطة تعجيلية لإعطاء دفعة قوية لهذه الجهود.
وإذا ما أرادت الحكومات تحقيق ذلك فإنني أحثّها على ما يلي:
الضغط على زرّ زيادة السرعة للّحاق بالمهل المحدّدة لبلوغها صافي الانبعاثات الصفري - بحيث تتعهد البلدان المتقدمة النمو ببلوغ الصافي الصفري في أقرب وقت ممكن من عام 2040، وتتعهد البلدان النامية ببلوغه في أقرب وقت ممكن من عام 2050.
وهذا الاستثمار هو الطريقة الوحيدة لتحقيق أمن الطاقة العالمي بمعزل عن التقلبات غير المتوقعة التي تشهدها الأسواق حاليا.
ويتعين على البلدان المتقدمة النمو أن تتقيّد بالتزاماتها بشأن التمويل، والتكيف، والتعويض عن الخسائر والأضرار.
ويتعين عليها أيضا أن تدفع المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف إلى تكييف نماذج أعمالها، ومجموعات مهاراتها، ونُهُجها في التعامل مع المخاطر -- وأن تحشد قدرا أكبر بكثير من التمويل الخاص، بتكاليف معقولة على البلدان النامية، لإتاحة المجال لإحداث زيادة هائلة في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
وفي كل بلد، ودون استثناء، يجب الاستماع إلى صوت المجتمع المدني.
ويجب أن يكون المجتمع المدني جالسا إلى الطاولة للمساعدة في تشكيل السياسات، وموجودا على أرض الميدان للمساعدة في إحداث التغيير.
ويجب أن يكون كل هذا العمل عالمي النطاق.
ويجب أن يكون فوريا.
ويجب أن يبدأ من أهم منابع الضرر في الأزمة المناخية: صناعة الوقود الأحفوري.
دعونا نواجه الحقائق.
فالمشكلة ليست منحصرة ببساطة في الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.
المشكلة هي الوقود الأحفوري – انتهى الكلام.
والحل واضح:
يجب على العالم التخلّص من الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنصفة، والانتقال إلى إبقاء النفط والفحم والغاز في باطن الأرض كما ينبغي أن يكون عليه الحال - وإحداث توسّع شديد في الاستثمار في الطاقة المتجددة.
ويجب أن تكون خطط الانتقال من صناعة الوقود الأحفوري خطّطا تحوّلية ترسم مسار انتقال شركة ما إلى الطاقة النظيفة - بعيدا عن منتج يتنافى مع مقوّمات بقاء الإنسانية.
وإن لم يحدث ذلك، ستكون هذه الخطط محض مقترحات لجعل الشركة عاملا أكثر كفاءة في تدمير الكوكب.
وبطبيعة الحال، لا تحدث التحولات بين عشية وضحاها.
والمقصود بالضبط من خطط الانتقال هو توفير خارطة طريق لعملية مُدارة ومنظّمة تضمن القدرة على تحمّل التكاليف وتوافر فرص الوصول والأمن الطاقي.
فكيف نصل إلى هناك؟
إن خطتنا للتعجيل تدعو الحكومات إلى:
الالتزام بعدم إنتاج واستخدام فحم جديد.
إنجاز عملية التخلّص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030 في دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وبحلول عام 2040 في باقي الأماكن.
إنهاء جميع أشكال التمويل الدولي للفحم - العام منها والخاص.
وقف إصدار التراخيص أو توفير التمويل لأنشطة النفط والغاز الجديدة.
التوقف عن زيادة أحجام احتياطيات النفط والغاز الحالية - ودعم الانتقال العادل للبلدان النامية المتأثرة.
ضمان توليد الكهرباء المحقِّق لصافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2035 في البلدان المتقدمة، وبحلول عام 2040 في باقي الأماكن.
تحويل إعانات الدعم من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة والانتقال العادل للطاقة.
تحديد سعر للكربون.
وضع مخطط للتقليص التدريجي لإنتاج النفط والغاز الحالي على مستوى العالم، بما يتوافق مع هدف بلوغ صافي الانبعاثات الصفري عالميا بحلول عام 2050.
بيد أن على صناعة الوقود الأحفوري وعوامل تمكينها مسؤوليةً خاصة.
ففي العام الماضي، حقّقت صناعة النفط والغاز أرقاما قياسية على صعيد الإيرادات التي هبطت عليها كالمطر، والتي بلغ صافيها 4 تريليونات دولار.
ومع ذلك، فمقابل كل دولار تنفقه هذه الصناعة على التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما، لا يذهب سوى 4 سنتات لأنشطة قطاعي الطاقة النظيفة واحتجاز الكربون معاً.
إن مقايضة المستقبل بحفنة نقود فضية عملٌ غير أخلاقي.
وما يحتاجه العالم هو أن تقوم هذه الصناعة بتسخير مواردها الهائلة لدفع، لا عرقلة، عجلة الانتقال العالمي من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة وجني الفوائد.
بيد أنه في الوقت الحالي، لا تحقّق الصناعة حتى الأهداف المتواضعة للغاية التي حدّدتها لنفسها في مجال خفض الانبعاثات التشغيلية.
وكثير منها متأخر عن المسيرة، ويعتمد معظمها على أساليب مشبوهة لحساب تعويضات الانبعاثات.
إنني أهيب بجميع شركات الوقود الأحفوري إلى تقديم خطط انتقالية موثوقة وشاملة ومفصّلة، بما يتماشى تماما مع جميع توصيات فريق الخبراء الرفيع المستوى الذي عيّنتُه والمعني بتعهدات الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصافي الصفري.
ويجب أن تغطي هذه الخطط جميع الأنشطة - من أعلى سلسلة القيمة إلى أسفلها.
ويجب أن يشمل ذلك خفض الانبعاثات الناتجة عن الإنتاج والمعالجة والنقل والتكرير والتوزيع والاستخدام.
ويجب أن تضع أهدافا واضحة على المدى القريب ترسم مخطط انتقال مؤسسات الأعمال إلى الطاقة النظيفة.
ويجب على شركات الوقود الأحفوري أيضا التوقف عن استغلال النفوذ وإطلاق التهديدات القانونية المصمّمة لعرقلة التقدم.
وأقصدُ هنا على وجه الخصوص المحاولات الأخيرة لتخريب تحالفات صافي الانبعاثات الصفري، حيث كانت الذريعة تشريعات مكافحة الاحتكار.
وللحكومات دورٌ بالغ الأهمية في وضع الأمور في نصابها. وهي يجب أن تساعد من خلال تقديم تأكيدات واضحة مفادها:
أن العمل المناخي الجماعي لا يتنافى مع مكافحة الاحتكار - بل إنه يعزز ثقة الجمهور.
وفي الوقت نفسه، يجب على المؤسسات المالية أن تشجّع هذا التحول في صناعة الوقود الأحفوري.
وإنني أحث جميع المؤسسات المالية على تقديم خطط معلنة وموثوقة ومفصّلة لتحويل وجهة تمويلها من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة.
ومرة أخرى، نعلمُ تمام العلم أن هذا الانتقال لن يحدث بين عشية وضحاها.
ويجب أن تتضمن هذه الخطط أهدافا واضحة لعامي 2025 و 2030.
ويجب أن تتضمن استراتيجية واضحة لتخليص حافظاتها تدريجيا من الأصول المرتبطة بالوقود الأحفوري لضمان أن تصبح متوافقة بشكل موثوق مع هدف صافي الانبعاثات الصفري.
ويجب أن تُظهر كيف يتماشى إنفاقها الرأسمالي وما تنفقه على البحث والتطوير وما تقوم به من استثمارات مع أهداف صافي الانبعاثات الصفري.
ويجب عليها الإفصاح عن جميع أنشطتها في مجال حشد الدعم والتفاعل السياساتي.
ويجب على المؤسسات المالية في كل مكان أن تنهي عمليات الإقراض والاكتتاب والاستثمار المرتبطة بالفحم في أي مكان، بما في ذلك المنشآت الجديدة من بنى تحتية للفحم ومحطات توليد تعمل بالفحم ومناجم فحم.
ويتعين عليها أن تلتزم بإنهاء التمويل والاستثمار في التنقيب عن حقول النفط والغاز الجديدة، وزيادة أحجام احتياطيات النفط والغاز، وأن تلتزم بالاستثمار بدلا من ذلك في التحوّل العادل في العالم النامي.
أما مؤسسات التمويل التي تتحوّل بالفعل من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، فلها مني رسالة أمل وتشجيع خاصة:
لا تتوانوا في مواجهة الهجمات التي تُشنّ ضد التقدم.
إنكم تقومون بالشيء الصحيح.
فاستمروا.
وكما اتضح من مناقشتي مع قادة المجتمع المدني اليوم، فإن ما هو على المحك هائل بدرجة لا يمكننا معا أن نقف صامتين.
وإن ما نواجهه من خطرٍ هو كبيرٌ إلى درجة لا نملك معها ترف الجلوس في مقاعد المتفرجين.
فالوقت الآن هو وقت الطموح والعمل.
وإنني أتطلّع إلى الترحيب بمن سيكونون أول من يتحرك ويقوم بالعمل الفعلي في مؤتمر قمة الطموح المناخي الذي سيعقد في أيلول/سبتمبر.
العالم يراقب ما نفعله - وكوكب الأرض لا يستطيع الانتظار.